الشيزوفرينيا الروحية

 

تعريف الشيزوفرينيا الروحية أو الفصام الروحي:

الفصام الروحي ليس مرضاً مستحدثاً أو فيروساً اكتُشف مؤخراً . إنه مرض قديم كقدم التاريخ نفسه، والعهد القديم على سبيل المثال زاخر بدراسة نماذج شيقة ونابضة بالحياة.

على سبيل المثال ، في ( 1 ملوك 18 : 21 ) نجد نزاعاً شديداً حدث بين إيليا وأنبياء البعل ، فصرخ إيليا إلى بني إسرائيل وقال لهم " حتى متى تعرجون بين الفرقتين إن كان الرب هو الله فاتبعوه ، وإن كان البعل فاتبعوه"

وفي ( ملوك الثاني 17 : 33 ) نجد صورة هذا القلب المنقسم أو ما نطلق عليه الشيزوفرينيا الروحية متمثلة في هذه الكلمات" كانوا يتقون الرب ويعبدون آلهتهم" .

كما نجد أن الكتب المقدسة استخدمت عالم الرومانسية لتوضيح صورة القلب المنقسم.

لقد غدت دليلة في محاولاتها لإغراء شمشون لكي تكشف سره الروحي ، أما هو فظل ساخراً منها لفترة طويلة .

يخبرنا سفر القضاة 16 : 15 بما قالته دليلة لشمشون في النهاية " كيف تقول أحبك وقلبك ليس معي" ، ولعلها عبارة يرددها عدد كبير من المحبين البائسين للطرف الآخر ذو الرأيين.

 

كيف يصف الكتاب المقدس القلب المنقسم؟

يصف الكتاب المقدس القلب المنقسم بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال يتحدث الله من خلال هوشع النبي إذ يقول : " افرايم اختلط بالشعوب. افرايم صار كخبز ملة لم يقلب بعد كل الغرباء أضاعوا ثروته وهو لا يعرف وقد رش عليه الشيب وهو لا يعرف " . والتعبير المستخدم ملة مقتبس من هذا العدد، ونحن نستخدمه اليوم لنصف الولاء المنقسم أو الالتزام الذي تعوزه الحماسة.

وفي العهد الجديد ، وبخ الله أعضاء كنيسة لاودكية بقوله " إنك فاتر ولست باردا ولا حارا أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" ( رؤيا 3 : 16 ).

ويسوع نفسه تطرق إلى مشكلة القلب المنقسم فقال: " لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويلازم الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر . لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" ( لوقا 16 : 13 ).

كتب الرسول بولس عن هذا الانقسام الداخلي بين الانحصار في الذات والولاء للمسيح في ( 1 كورنثوس 10 : 21 ) إذ قال " لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكاس شياطين".

 

 

ويعقوب الكاتب الواقعي العملي قد لخص هذا الأمر مستخدماً ثماني كلمات غاية في الصدق إذ قال: " رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" .

 

بعض سمات القلب المنقسم:  

القلب المنقسم هو القلب الذي يخضع خضوعاً جزئياً لله، فهو داخل حرب مع نفسه.

هو قلب منقسم بين الله والذات.

القلب المنقسم هو قلب تعيس، وأكثر الناس تعاسة هم الذين يتوسطون بين نقطتين، فهم أبناء الله في الأصل ولكنهم ينكرون سيادة الله الكاملة على حياتهم، فداخلياَ هم يعيشون في حرب أهلية حقيقية ، حيث إنهم يتمخضون من وطأة صراعهم الداخلي .

إنهم تركيبة مأساوية لكل من الخوف والإيمان ، الفزع والرغبة ، محبة الله ولكنهم في ذات الوقت يستاءون خشية أن يطلب الله سيادة مطلقة على حياتهم، هذه التركيبة تشبه تقريباً فريقين في لعبة شد الحبل ، والقلب المنقسم هو الحبل ذاته!

القلب المنقسم هو قلب غير مستقر، ومن الجائز أن يكون متناقضاً، فماذا عن ميولنا ؟ فهل نتعامل بأسلوب عذب مع الأصدقاء أو زملاء العمل ولكننا مشحونين بغضب جامح تجاه أفراد عائلاتنا؟ أم هل نحن متأرجحون بين الحب والكراهية، العذوبة والحدة، الكرم والأنانية؟

لستُ أتحدث عن الأثناء العرضية حيث نكون وبصورة وقتية تحت وطأة ضغوط فنسرع بتفوه كلمات غاضبة تعبر عن عدم حساسيتنا تجاه الآخرين، ولكنني أتحدث عن نموذج مستمر ومتكرر خاص بحياتنا الروحية.

 

النتائج المترتبة على انقسام القلب:

في حالة هذا الصراع الداخلي المرير ، يفتقر القلب الداخلي إلى الإثمار ، فهو قلب تعيس، مريض ، متقلقل، ومن ثم فإنه قلب عاجز ومنهزم، ومن ثم فهو يعمل على معاوقتنا عن حياة الإثمار، فالكثير من الوقت والجهد يستنفذان فقط في مجرد الإبقاء على الحياة الروحية لدرجة أنه لا يتبقى إلا القدر القليل للوصول إلى إخبار الآخرين عن محبة الله غير المشروطة.

 

علاج القلب المنقسم:

قال يسوع: " إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير" ( يوحنا 12: 24 ). هذه هي الحقيقة الساطعة في حياة كل مؤمن ظافر، فيحين الوقت الذي يلزم فيه أن تمت الحبة المنقسمة والمنهزمة والعنيدة لكي تأتي بثمر.

 

منذ أمدٍ بعيد، استمعت إلى قصة السيدة اليابانية نوبوكو التي عانت صراعاً داخلياً من وطأة الشعور بأنها منقسمة روحياً ، منهزمة ، وعديمة الثمر . وفي يأسها، خرجت ذات مرة من منزلها قاصدة تلال كوب   واستغرقت ثلاثة أيام وليالٍ تصارع وتصلي ، وفي الختام ،عادت إلى منزلها خاضعة للفكر الإلهي وهي على استعداد روحي أن تفعل مشيئة الله بالتمام.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان اليابانيون منهزمين ومتخاذلين، وعلى أثر ذلك شهد منحدر صخري انتحاراًَ جماعياً للعديد من اليابانيين.

وكان هذا الأمر تابعاً للفترة التي استغرقتها السيدة نوبوكو في تجديد عهودها مع الرب. فوضعت لافتة على هذا المنحدر الصخري نصت على الآتي" لا تلتفتوا إلى اسمي الموقَّع أدنى الرسالة، ولكن التفتوا أولا إلى عبارة الله محبة".

وفيما بعد، عندما سألها أحدهم عن عدد الناس الذين تمكنت السيدة نوبوكو من إنقاذهم من الانتحار، أجابت " أنه مدونلديها أكثر من خمسة آلاف شخص"! عندما سُئلت عن سر حياتها المُخفى ، أجابت بدون أدنى تردد " إنه الخضوع المطلق لله والتمسك بمعيته المستمرة" .

إن ما فعلته هذه السيدة كان ثمراً للثلاثة أيام والليالي حين ماتت حبة الحنطة الخاصة بإرادتها الذاتية ، فكان من اللازم ألا تبقى وحدها ، بل تمت لتأت بثمر ، كان من اللازم أن تمت هي ، ليعيش خمسة آلاف آلاف آخرون.

يا له من علاج فعال للقلب المنقسم!!