الأداء الناجح وقت الأزمات

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن المسيح قد دعانا بالفعل لأن نحمل معه ذلك النير الهين والحمل الخفيف، الذي يمكن فيه أن نجد راحة لنفوسنا. هذا العرض هو لنا والآن تماماً مثل العرض الذي يقدمه لنا للإيمان به.

في هذه الحياة التي نحمل فيها أحمالاً ثقيلة ونصرخ طالبين تلك الراحة ولا نصل إليها ويوجه لنا المسيح دعوة حقيقية للراحة. هذه الدعوة حقيقية لكن لكي تصير حقيقة واقعة في حياتنا، نحتاج أن نفهم ما هو سر الدخول إلى هذا النير الهين والحمل الخفيف.

ما هو إذًا هذا السر؟ هذا السؤال شديد الأهمية وله جواب واحد بسيط. إنه جواب يمكن أن نقدمه من خلال مقارنته ببعض الحقائق المعروفة لدينا.

فكر مثلاً في هواة كرة السلة أو كرة القدم. هم لا يريدون شيئًا في الحياة إلا أن يستطيعوا المرور بالكرة أو تصويبها مثل النجم المفضل، ماذا يفعل هؤلاء الشباب؟ إنهم يحاولون أن يتصرفوا تماما مثل لاعبهم المُفضَّل وكلما جاءت الكرة إلى أحدهم فهو يتخيل كيف سيتصرف ذلك اللاعب فيها ويحاول تقليده. انه يمرر الكرة لنفسه ثم يجري ليلحق بها وهم يحاولون أن يفعلوا ذلك انه يتقن التصويب من خارج منطقة الجزاء. فهو يتدربون على تلك المهارة مرارا وتكرارا لكي يصبحوا مثله. هؤلاء المراهقون يجربون كل شئ وأي شئ يفعله هذا النجم المحبوب معبود الجماهير متمنين أن يصبحوا يوما ما مثله بل أنهم أيضا – يشترون نفس نوع الحذاء الذي يرتديه وربما نفس اللون ويرتدون نفس قميصه الذي عليه شعار ناديه ورقمه بل وحتى نفس الإعلانات .

لكن هل سينجحون في أن يكونوا مثل هذا اللاعب؟ كلنا نعرف الإجابة جيدا. نحن نعلم أنهم لم ينجحوا في أن يكونوا مثله من خلال مجرد تقليد حركاته عندما يكون في الملعب أثناء المباراة ولا فقط بلبس نفس نوع الحذاء- مهما كانوا موهوبين وحتى إذا كانوا على نفس قدر موهبته. وكلنا نفهم السبب. هذا النجم نفسه لم يصل إلى هذا المستوى من الأداء من خلال ما يفعله أثناء المباراة وهو فقط الجزء من حياته الذي يراه هؤلاء المراهقون. لقد أصبح النجم نجما لامعا ولفترة طويلة بسبب نوعية الحياة التي اختار أن يحياها كل ساعة وكل يوم من أيام حياته وليس فقط أثناء المباراة. لقد اختار هذا اللاعب حياة مستمرة من الإعداد الذهني والبدني وقام بتركيز كل جهده لكي يصنع أساسا بدنيا وذهنيا منه تخرج ردود الأفعال المباشرة لجسده أثناء المباراة.

هذه السيمفونية الرائعة من ردود الأفعال الجسدية السريعة ودقة التوقيت الهائل التي تجعل اللاعب يطير في الهواء في الوقت المناسب ليقابل بمقدمة رأسه الكرة ليضربها محركا رقبته بقوة لتنطلق الكرة كرصاصة في أقصى يمين المرمى أو يساره بحيث لا يستطيع الحارس أن يصل إليها . هذه السيمفونية ليست وليدة تلك اللحظة التي يصفق لها الجمهور ولا حتى المباراة كلها أو اليوم أو الأسبوع بل هي نتاج حياة كاملة لا يراها الناس. كيف يأكل وكيف ينام وكم ساعة يتدرب في صالة الألعاب وكم ساعة يستمع إلى محاضرات المدرب ويواظب على التدريب الجماعي يوميا بالإضافة إلى المباريات التجريبية ومعسكرات الإعداد وغير ذلك. بدون كل ذلك لا يمكن للرياضي أن يؤدي بالصورة التي نراها في المباريات. بعض من هذه العادات اليومية ربما يبدو سخيفا بالنسبة لنا بالمقارنة بإبهار لحظة إحراز الهدف. لكن الرياضي هو من يعلم أنه يجب أن يُمارس هذه التدريبات وبالصورة السليمة، وإلا تضيع الموهبة الطبيعية ويتبدد بذل المجهود ويكسب الفريق الآخر الذي درب أكثر وأعد نفسه بصورة أفضل لخوض المباراة.

هذا الاحتياج والتدريب والانضباط أمر ينطبق على كل نشاط إنساني له قيمة وأهمية في حياتنا. إننا هنا نلمس حقيقة هامة من حقائق النشاط البشري سواء أكان هذا النشاط هو الخطابة أو عزف الموسيقى أو التدريس أو الجراحة. الأداء الناجح وقت الأزمات يعتمد أساسا وبالضرورة على حياة إنسانية مُعدة بحكمة واجتهاد في كل جوانبها ذهنيًا وجسديًا وعقلانيًا وبكل صورة من الصور.

وما هو صحيح بالنسبة للأنشطة المتخصصة صحيح أيضًا بالنسبة لأسلوب الحياة الكلي. كما قال أفلاطون في القديم أن هناك "فناً للحياة" والحياة تكون متميزة فقط عندما تكون الذات معدة ومدربة في كل أعماق وأبعاد كيانها.  

بقلم : دالاس ويللارد – كتاب التدريبات الروحية – ترجمة د. أوسم وصفي