صديقي العزيز الذي كان مُلحداً


أذهلني هذا الطبيب الشاب ذو العقلية الفذة والقلب النابض حينما بدأ يسرد بكل دقة مسيرته من الإلحاد إلى الإيمان المستنير.

متى بدأت تطرح أهم الأسئلة الوجودية؟

بدأت حياتى تأخذ منحنى نحو الانهيار عندما فقدت أغلى شخص فى حياتى.

 عندها فقدت كل إيمانى تقريبًا ، وبدأت أتساءل:لماذا موت الأحباء ؟

 والأهم هو لماذا لم يتدخل الله لكى يشفى ؟

لماذا لم يمنع الموت؟  ولماذا لم يستجب للصلاة ؟

ولماذا هذا الاله لم يرحم من تألم وأعطاه الصحة؟ ولماذا كان المرض؟

إلى أين قادتك هذه التساؤلات؟


كانت هناك أسئلة كثيرة وصراعات داخلى وصلت بى إلى نتيجة ، وهى إصابتى باكتئاب لفترة طويلة ، حتى إنى أطلقت لحيتى، ولم أقص شعرى لمدة عام كامل ، وتركت كل ماكان له علاقة بالتدين، وبدأت أبحث عن إجابة اسئلتى عن الله والألم والموت.

 ولم أتوصل الى إجابة تريح قلبى وتنير لى الطريق.

 وبدأ صوت داخلى يردد إن كان الله تركك فأتركه فما حاجتك لإله لاتجده وقت الشدة والألم والمحنة،  ولايستجيب لصلاتك ويتركك فى هذا الحزن ويمنع عنك معجزة شفاء اقرب الناس إليك وهو يعلم ان فى ذلك نهاية وانكسارك؟!

متى بدأت فعلياً أولى خطوات الإلحاد؟

مضى فترة قصيرة وبعدها تعرفت على مجموعات تدعو للإلحاد ، وبدأت أتابعهم وأتفاعل معهم،  ووجدت عندهم الخروج من الدائرة التى سجنت نفسي فيها. وان فكرة عدم وجود إله ،هى أفضل بكثير من وجود إله قاسي أو عاجز لايستجيب للصلاة أو لايشفق على المتألم ولايتدخل بقوته لاعطائه الحياة من جديد .

وهنا بدأت فعليا اولى خطوات الإلحاد.

بدأت أقرأ عن أفكار الملحدين وكتاباتهم وشخصيات كثيرة منهم ووجدت نفسي امام عدد كبير من الشخصيات المعروفة والمنتمية إلى الفكر الإلحادى وتعمقت فى نظرية النشوء والتطور لداروين ونظرية الانفجار العظيم ونشأة الكون وقد شجعنى على ذلك أيضا حبى القديم لمجالات العلوم الفضائية والجيولوجية.

 إضافة إلى ذلك، مارأيته من جرائم ترتكب تحت شعار الإله الذى يعبدونه ، من اغتصاب وقتل وتهجير وتدمير للحضارات ومن جانب آخر، الاستسلام للموت دون مقاومة، وأدركت حينها أن الديانات كارهة للحياة ،وترجو الحياة بعد الموت وتعد أتباعها بمجهول لاتستطيع أن تؤكده أو تثبت حقيقة وجود هذه الحياة.

كيف تطورت مسيرة بحثك؟

بدأت مرحلة جديدة من البحث عن الجذور فى كل الافكار والمعتقدات التى أؤمن بها. وبدأت أضعها فى ميزان غير منحاز لأى طرف ، وكنت محايدًا قدر المستطاع ،لكى أصل إلى الحقيقة . وكانت قراءة الكتب هى الطريق الوحيد أمامى للمعرفة .

وقرأت فى جميع المجالات وبحثت فى كثير من الآراء المتضاربة،  وقارنت وجهات النظر والافكارالمختلفة ، ولم أتوقف عن طرح أسئلتى لنفسي بين الحين والاخر:

 لماذا انا موجود؟ وماهو هدفى فى الحياة ؟وماهو مصيرى بعد الموت ؟ولماذا كل هذه الصراعات بين البشر من اجل الدين والعقيدة ؟ ووجدت نفسي تائهًا لفترة طويلة أكثر من  6أشهر، ولم أجد إجابة عن سؤالى أيضًا  :لماذا الالم؟ لماذا الموت؟ لماذا يعيش شخص أكثر من مئة عام حتى أن عائلته تتطلب له الموت، بينما يموت شاب فى العشرينات ولم يحقق أى هدف من أحلامه ويكون سبب فى مرارة لعائلته من بعد موته؟

 أليس هذا ظلما للبشر والظالم هو الاله الذى يتحكم بمصائرهم وييتلاعب بهم كالعرائس يحركها كيفما شاء ؟ أو إن هذا الإله ليس موجودًا وكل هذا مجرد مسيرة للطبيعة والكون لايتحكم فيها احد؟

هل استوقفتك نماذج أسهمت في تصعيد صراعاتك الفكرية؟

استمرت معى قراءاتى المتتابعة إلى أن وصلت إلى كتاب كنت سمعت عنه منذ 10 سنوات تحت عنوان  "العذاب الاحمر"  لكاتبه ريتشارد وريمبراند ، وقد قرأت كتاب زوجته سابقا تحت عنوان " زوجة الراعى"،  ولشدة اشتياقي للحصول على الكتاب  التهمته فى يوم واحد ، وأُصبت بهزة عنيفة جدًا فى داخلى وتغيير فى كل مابدأت أعتقد فيه .

وبدأ صراع جديد معى، وأدركت حينها أننى لا أمتلك الحقيقة كاملة ، ولم أصل إلى أى شئ طوال فترة بحثى تلك التى استمرت طويلا .

وبدأت أراجع من جديد أفكارى ،وكان أهم ماطرحه الكتاب هو تساؤل جديد ألا وهو:

" إن كنت رفضت فكرة وجود اله بسبب تجربتك القاسية ،فكيف لك أن تقبل فكرة عدم وجود إله من اناس كل هدفهم هو القتل والتعذيب بوحشية لكل من ينطق اسم الله؟ وماهو هدفهم مما ارتكبوه من جرائم بحق هؤلاء البشر؟وإنه مع الاسف إنهار الاتحاد السوفييتى وانتهت معه الشيوعية بطريقة كبيرة ، وأصبح وجود الشيوعية مجرد ذكرى فى التاريخ ،وأننى أصبحت واحدًا من أتباع ستالين وغيره ، وهذا مرفوض جدًا بالنسبة لى.

كذلك ماذكره الكاتب عن صراعه داخل المعتقلات الشيوعية ومالاقاه مع رفاقه من أقسي وأبشع أنواع العذاب، وبالرغم من ذلك ظلوا صامدين ، وبل على العكس زادهم ذلك اصرارا  وعزيمة على التمسك بإيمانهم ، الذى أدركت أنه لايوجد من يضحى بحياته ويتحمل كل هذه المعاناة  من أجل وهم كاذب وأنه أصبح اليوم معظم دول الاتحاد السوفييتى السابق ينتمون إلى هذا الايمان.

لأنى عندما رفضت وجود إله كانت لى أسبابى الخاصة ، ولم اؤذِ احدا بسبب أفكارى ولم أُسيئ لأى شخص، وكذلك أنا لست دمويا حتى أسعى وراء القتل أو التدمير.

هل هناك قاسم مشترك يجمع الملحدين ولا سيما في الشرق؟

 لاحظت وجود شئ مشترك بين كل الملحدين العرب وهو الجهل بحقائق كثيرة ورغبتهم فى التحرر من قيودهم الدينية السابقة إلى حرية مزيفة أساسها الفوضى وانتهاك حرية الآخرين تحت شعار الحرية الشخصية كمثال شتيمة وإهانة كل من يختلف معهم فى الرأى ، وإهانة رموز دينية بطريقة قبيحة جدا ونشر أكاذيب مضللة كل هدفها التحقير من الأديان ، ولم تكن تهدف إلى حوار حقيقى وبنَّاء ،

وكذلك الانحلال الجنسي الذى اعتبروه أهم معالم الحرية والذى لم  يوجد له مبرر أخلاقى من وجهة نظرى، فالحرية ليست الإباحية أونشر صور جنسية عارية أوما شابهه من تصرفات تدل فقط على كبت داخلى وليس حرية.

هل الخبرات الحياتية الأليمة لها دور في تحول البعض إلى الإلحاد؟

هناك حقيقة أخرى توصلت إليها ، وهى أن الملحدين كانوا مؤمنين متدينين ، ولكنهم صدموا فى إيمانهم أمام تجارب ألام قاسية تعرضوا لها ، كسرت هذا الإيمان الضعيف وان كارل ماركس كان مؤمنا ولكنه تعرض لصدمة حينما مات أبوه وأمه فى منجم أغلقته عليهم الحكومة وقتها مع عمال كثيرين بعد ثورة العمال ، وهو كان المحرك الرئيسي نحو انكاره لوجود إله غير عادل وظالم لايحمى الفقراء ولاينتقم لهم من الأغنياء،  وكيف يجعل أغنياء يتسلطون على الفقراء ويسببوا لهم البؤس والشقاء.

ما الذي توصلت إليه فيما يخص نظرية التطور والانفجارالكبير والنسبية؟

كذلك داروين قال عن نظرية التطور ان نظريتى هذه مجرد نظرية قد تحتمل الصواب وقد تخطئ، وانه ذكر تفصيلا تطور الكائنات الحية ولم يقل ان الانسان تحديدا هو نهاية التطور او انه متطور من الشمبانزى كما ينسب إليه الكثيرين، بل كان مضمون كتاباته هو أصل الأنواع وجذورها وتطورها من أنواع أقل منها فى القدرات ،وحدثت طفرات ساعدت الأنواع الجديدة للتكيف مع التغيرات الطبيعية الجديدة.

كما ان نظرية الانفجار العظيم غيرمقبولة علميا لما بها من تناقضات وعجز عن تفسير الكثير من التساؤلات أهمها من أوجد أول ذرة نتج عنها هذا الكون؟ وكيف وجدت؟ وما هو المحفز والمثير لعملية التفاعل والتى نتج عنها هذا الكون بهذه الدقة المتناهية؟ بل كيف تمت عملية تكوين المجرات والكواكب والنجوم والاقمار بهذه السرعة الرهيبة جدا وبهذه الدقة تحت ضغط شديد ودرجة حرارة قوية وأصبحت في النهاية ما نجده الآن من تكوين غازات حولها مختلفة الكثافة والحرارة والضغط ؟ وكيف انفصلت عن بعضها بهذا التباعد ولاتوجد جاذبية تتحكم بها فى هذا الفراغ الشاسع؟

وكان لاينشتاين ايضا دور مهم فى اكتشافه للنسبية حيث اننى بدأت أدرك أن كل شئ فى الكون نسبي ولايوجد شئ ثابت أو حقيقة مطلقة لاتتغير وعليه لابد أن أتوقف دائمًا عند كلمة معرفة غير كاملة ، وأن لا أحد لديه كل العلم أو يمكنه أن يقول أن مايقوله لن يأتى بعده من يغيره ويثبت خطأه فيه.

هل تحول مسارك البحثي بعد سرد هذه الخلفية العلمية؟

من هذه اللحظة اخذت قرارا جديدا بالنسبة لى، أن أسعى لمعرفة الحقائق الثابتة المؤكدة التى لايختلف عليها احد،  مثل الحقائق التاريخية المتفق عليها والحقائق العلمية المشتركة بين كل البشر، ووجدت نفسي قد أصبحت امتلك عقلا ناضجا حقا يستطيع أن يميز بين الكذب والحقيقة بكل ثقة ،وتحولت فى نظرتى إلى الحياة بصورة اعمق وأكبر ، وانا احاول أن ابحث عن الحقائق فى كل شئ،  واصبحت فى أعماقى أميل إلى اللادينية أكثر من الإلحاد، وتحولت بعدها إلى الربوبية التى كانت هى طريقى الجديد للعودة إلى فكرة وجود إله حقيقى ولكن تم تشويه صورته من قبل البشر وأن هذا الاله ليس سيئا ولكن الاديان هى التي قامت بتعريف هذا الاله بصورة خاطئة جدا بعيدة كل البعد عن حقيقته.

وكان من اكثر الكتابات التى أنارت لى الطريق  كتاب ( حداثة الحضارات القديمة ) وكتاب 

( يسوع التاريخى ) وكتاب

( السر ) وغيرهم من الكتابات التى أثرت إيجابيًا فى طريقة تفكيرى، وتحولى من صراع الوجودية الإلهية إلى صراع أقل حدة ، وهو طبيعة هذا الاله وحقيقته.

وكان أكثر شئ فى هذه الكتب وغيرها له تأثير ايجابى انها لم تكن تهدف إلى اعادة تجديد افكار قديمة وإنما خلقت منظومة فكرية جديدة عندى لاتتبع مدرسة تكرر من نفسها بل ابداعات فكرية جديدة وانطلاقة نحو تمهيد الطريق لحياة أفضل.

فما وجدته فى حداثة الحضارات القديمة هو ثورة نظرية جديدة فى العلم قائمة على التحليل المنطقى والدراسي لمعلومات يتغافل البعض عن تفسيرها او يتجاهلوا الاقتراب منها حتى لايقفوا عاجزين عن معناها ،والكاتب يتبنى فكرة هى وجود كائنات من كواكب أخرى كان لها الفضل فى ارتقاء الحضارة على الارض وأن المشاهدات التاريخية الموثقة لهذه الكائنات دليل مهم على دورها العلمى للأرض وكذلك ربط ما جاء فى بعض الأديان بهذه النظرية مثل رؤيا حزقيال لمركبة فضائية ورسالة يسوع النهائية لتلاميذه انه سيأتى ثانية ويجب أن يكونوا على استعداد لمجيئه ولايتبعوا أنبياء كذبة ، وهذا ماذكره سابقا فيراكوشا أحد الالهة القديمة جدا فى اميركا اللاتينية وقبائلها التى تشترك فى نفس الفكرة عن هذا الكائن السماوى الذى ذهب الى السماء أمام عيونهم وكان انسان صالح جدا وصاحب مبادئ سامية وصنع لهم معجزات كثيرة

اما كتاب السر فهو عن الطاقة الايجابية التى تكمن داخل الإنسان والتى بدورها تحول افكاره إلى مغناطيس يحرك الظروف والأحداث الخارجية نحوه سواء بسلبية او ايجابية وبذلك هو المسؤول عن سعادته ونجاحه أو فشله وموته أيضا هو من يحدده.

وكتاب يسوع التاريخى نظرة على وجود كتابات من خارج الانجيل تؤكد شخصية يسوع ووجوده الحقيقى وتجمع الكثير من تفاصيل حياته بعيدا عن المسيحيين تماما

ولا انكر ماتعرضت له من آلام نفسية عميقة وصراعات داخلية حتى أصل إلى هذا النضوج الفكرى والاستنارة العقلية التى مكنتنى بعد ذلك من اتخاذ قرار أن اؤمن بإله غير مشوّه وغير قاسي ،وهو اله محب جدا لكل البشر ،وهدفه أن كل انسان يعيش سعيدا ومتحررا من كل قيود ،وله ارادة حرة كاملة فى تحديد حياته ومصيره بكل ما وضعه هذا الاله من امكانات وقدرات داخل كل انسان تمكنه من عمل المستحيلات إن هو أراد ذلك، وليست هناك قوة فى الكون تستطيع أن تقهر الانسان إلا عندما يفقد إيمانه بذاته وثقته فى قدراته وامكاناته العظيمة.

ما هي الفترة الزمنية التي قضيتها  في صراعك حتى توصلت إلى النور؟

لقد حاولت فى هذه الكلمات القليلة أن أصف مسيرتى بطريقة مختصرة جدا ، دون تفاصيل صراعاتى ومعاناتى وآلامى وأحزانى ورحلة البحث الشاقة التى استمرت أكثر من سنتين وكانت فى النهاية طريقى إلى نور معرفة جديدة.

هل تلقيت إلى مساعدة خارجية مؤازرة لبحثك الشخصي؟
أصعب مرحلة للمساعدة تكون دائما البدايات، وهى غالبا ماتقابل بالرفض الشديد من قبَِل المتألم الذى فَقَد الثقة فى الله ، وبالتالى يرفض تدخل أى إنسان .

والحقيقة أننى لن أنسي شخصين كان لهما الفضل الكبير فى مرحلتى الأولى ، وأنا أدين لهما  بالشكر الكثير.

 والعجيب اننى لم اكن اعرفهما من قبل ولكن من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أضفتهم كأصدقاء وقد تدخلوا فى حياتى بطريقة عفوية جدا ودون سابق معرفة بى، أحدهما قس، والثانية خادمة وقد كانا دائمى التحدث معى برسائل صوتية وكتابة،  وهذا ماكسر حاجز عدم المعرفة .

كيف كانت لهذه المساعدة الخارجية كشفاً جديداً عن هوية الله بالنسبة لك؟

والغريب هو اصرارهم على مساعدتى بالرغم أننى كنت متبلد المشاعر ولا أُظهر أى تجاوب نحوهم ولكن استمرارهما فى التحدث إلي كان له تأثير اكتشفته فيما بعد، وهو أن الرب نفسه تكلم إلي من خلال شخصيتين لا أعرفهما، واستخدمهما  الله بصوته الرقيق الهادئ ، وهذه الطريقة التى تعامل معى بها هى كانت الدافع الرئيسي نحو اكتشاف هوية جديدة للرب أنه غير بعيد عنى ،بل هو قريب منى جدا ، ويظهرذاته لى فى كل وقت بطرق لا أتوقعها .

وهكذا اصبحت اقترب شيئا فشيئا من هذا الاله المحب الحنون الرقيق فى تعامله بدون ضجه، ولكنه يعمل حقا فى صمت وكانت هذه نقطة تعويض حقيقية فى وسط محنتى، فشعرت أن أمى مازالت حية معى وتساعدنى بشتى الطرق وكأنها هى التى أخذت صورة هؤلاء لكى تكون بجانبى.

 وهنا بدأت معى مرحلة اخرى لا استطيع تفسيرها وهى اننى بصورة يومية كنت اراها فى احلامى واتفاعل معها وكأنها مازالت تعيش فى البيت وكان هناك حلم غريب جدا لن انساه فى حياتى حيث انها فى حلم قالت لى مبروك عليك عروستك وقالت اسم هو نفس اسم زوجتى التى لم اكن اعرفها اطلاقا قبل كذلك وتقابلت معها بعد 6 أشهر من هذا الحلم الذى ظل محفورا فى ذاكرتى وهكذا بدأت شيئا قليلا مرحلة التكيف مع حزنى وألمى وأن أتحرر من قيود الاكتئاب بصورة تدريجية.

برأيك ، ما هي أكثر العوامل التي كشفت لك هوية إله كنت تنكره؟
أكثر الاشياء التى استطاعت أن تكشف لى حقيقة إله كنت أُنكره هى تعاملاته غير المباشرة معى،  وكما ذكرت الكتب التى قرأتها كان لها دور كبير جدا فى توجيه تفكيرى نحوه وكذلك مساعدة الاشخاص الذين وقفوا بجانبى.

 وأقول ان من أروع ماحدث معى هو حديثى المستمر مع الرب وصراعاتى فى كلماتى معه ،"وانا اسأله وبدموعى لماذا؟" ، واستخدمت مصطلحات كانت صعبة علي وقتها مثل انت ظالم وغير عادل وانا لا اجد منك غير القسوة ،واحيانا كثيرة كان يجيبنى بكلمات فى داخلى واحيانا بعبارات اقرأها فى كتاب ما .

وكان لدى فكرتين أساسيتين: ان الصلاة ليست هى مقياس لتدخل الله لكى يفعل ما أشاؤه،  ولكنها طريق يرشدنى أن أتقبل إرادة الله واعرف مشيئته بدون أن أتذمر أو أشعر بالرفض نحو الأحداث ، والفكرة الاخرى هى استحالة وجود الحياة بهذه الدقة دون تحكم من قوة عليا وهذه القوة هى الله ، وان دورى هو أن اكون فى علاقة معه ملموسة بطريقة حسية وهذه العلاقة كانت محور تأملاتى فى عام 2000ان يسوع هو الباب والطريق والحق والحياة وكان تتويج هذه الخبرة معى هو رسالةالقديس يوحنا الاولى الفصل الاول الذى رأيناه بعيوننا وسمعناه باذاننا ولمسته ايدينا نخبركم عنه ،بدون هذه العلاقة فانا لا اعرف شخص الرب يسوع نهائيا وحتى اصل لهذه المرحلة يجب ان اترك نفسي بين يديه يوجهنى بطريقته وقد كان ذلك فعلا واقع ملموس وكانت نتيجته بالنسبة لى رائعة جدا.

بالأخير، ما هي رسالتك لكل شخص لديه صراعات أو شكوك أو أسئلة وجودية تعتصره ، وكل يشخص يرغب بمساعدة هؤلاء المحبوبين؟
مساعدة أشخاص آخرين يمرون بظروف مماثلة عملية صعبة جدًا لأنها تختلف من شخص لآخر وكل شخص له صفاته وشخصيته وظروفه وخلفيته وثقافته والأهم الأسباب التى دفعته الى الإلحاد ودرجة وعيه بحالته ومدى قدرته على مواجهة ذاته والمصارحة الكاملة والشجاعة فى اتخاذ القرارات وطريقة تفكيره وغيرها الكثير من العوامل التى تجعل كل شخص له طابع خاص وطريقة تعامل مختلفة ،وأعتقد أنه لا توجد قاعدة عامة للتعامل سوى الاحتواء الصبور جدا،  فالوقت مهم جدا الا نتسرع فى النتيجة ،وأن نعطى فترات طويلة دون مقابل وأن يكون العطاء بلا حدود وأقصد عطاء المشاعر وليس العطاء المادى،  والأهم هو الوصول دائما  لنقطة التقاء متقاربة بدلا للاختلاف.

 وأنا أعرف أن بعض من يدّعون أنهم ملحدون، ولكنهم في الحقيقة يحاولون فقط أن يجذبوا الأضواء إليهم وأن يكونوا موضع أنظار الناس،  وهؤلاء غالبا لافكر لديهم وفارغين من الداخل ولايوجد طريق للتفاهم معهم لأن أهدافهم تكون سيئة جدا ولديهم ورغبة مكبوتة فى تحقيق الذات ، وهؤلاء ضياع الوقت معهم لايفيد بل هو الدوران فى دائرة مغلقة . وهذه النوعية خارج نطاق الملحد الحقيقى فهو عادة لايجاهر بإلحاده وخاصة فى فترته الاولى ربما يصل لهذه المرحلة بعد سنوات طويله وفى خلال تلك الفترة يحاول البحث دائما عن ضالته ليجد إجابة لأسئلته. وكلما تم اكتشافه فى فترة مبكرة ، كانت عودته للإيمان أسهل كثيرا لأسباب كثيرة أهمها الاعتياد على الإلحاد وترك كل ماهو تقليدى يُصعِّب من محاولة التفاهم معه واقناعه بالرجوع عن افكاره ولكن للقراءة المستنيرة فى كتابات لها ثقلها الفكرى تساعد على تخطى هذه المرحلة أيضا .

وأخيرا استعداد ورغبة داخلية شخصية من أجل الوصول للحقيقة.